خطبۂ جمعہ

 

مَعْرِفَةُ اللَّهِ بِخَلْقِهِ وَقُدْرَتِهِ

 الخطبة الأولى

 الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قُدْرَتُهُ لَا تَخْفَى،وَآلَاؤُهُ لَيْسَ لَهَا مُنْتَهى،أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَلَّ عَلَى سَبِيْلِ الْهُدَى، وَحَذَّرَ مِنْ طَرِيقِ الرَّدَى، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ مَعَالِمِ الْهُدَى، وَمَصَابِيحِ الدُّجى، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ وَاقْتَفَى.


أَمَّا بَعْدُ، فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ فَالتَّقْوَى هِيَ الْغَايَةُ الْمَنْشُودَةُ، وَالدُّرَّةُ الْمَفْقُوْدَةُ، قَالَ تَعَالَى:( بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ


عِبَادَ اللَّهِ! مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا؛ التَّفَكُّرُ فِي آيَاتِ الْخَلْقِ وَالْكَوْنِ، وَالْآفَاقِ وَالْأَنْفُسِ، وَالتَّدَبُّرُ فِي آيَاتِ كِتَابِهِ الْمُبِيْنِ، فَالْآيَاتُ الْمُحْكَمَاتُ مِنْ كِتَابِهِ النَّاطِقِ تُنْبِئُ بِحِكْمَتِهِ، وَالْآيَاتُ الْمُعْظَمَاتُ مِنْ كِتَابِهِ الصَّامِتِ تَدُلُّ عَلَى عَظَمَتِهِ، وَتَجْذِبُ الْإِنْسَانَ لِلْإِنْقِيَادِ لِرَبِّهِ وَالتَّسْبِيحِ بِحَمْدِهِ.


إِخْوَةَ الْإِيْمَانِ إِنَّ نَظْرَةً إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَمَا فِيْهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ وَالنُّجُوْمِ الَّتِي لَا تُحْصى، وَكُلُّهَا قَائِمَةً فِي مَوَاضِعِهَا، دَائِرَةٌ فِي أَفْلَاكِهَا، سَابِحَةً بِحَمْدِ رَبِّهَا، جَارِيَةً فِي الْفَضَاءِ مَا يُمْسِكُهَا إِلَّا اللهُ، لَهِيَ كَفِيْلَةٌ بِإِسْلَامِ الْخَلْقِ جَمِيعًا، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)، وَإِنَّ نَظْرَةً أُخْرَى فِي عَالَمِ الْإِنْسَانِ وَعَجَائِبِهِ، وَعَالَمِ الْحَيَوَانِ وَأَشْكَالِهِ، وَعَالَمِ النَّبَاتِ وَأَقْسَامِهِ، وَعَالَمِ الْجَمَادِ وَأَنْوَاعِهِ، جَدِيرَةٌ بِأَنْ تَفْتَحَ الْبَصِيرَةَ عَلَى الْقُوَّةِ الْإِلٰهِيَّةِ الْقَادِرَةِ عَلَى الْخَلَائِقِ وَحِفْظِهَا وَإِمْسَاكِهَا، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُوْلَا ).


أَيُّهَا الْمُؤْمِنُوْنَ! وَقَدْ كَبَّرَ اللَّهُ بَعْضَ الْخَلَائِقِ، كَالْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَصَغَّرَ بَعْضَهَا، كَالْبَعُوضَةِ وَالنَّمْلَةِ، وَكَثَّرَ بَعْضَهَا، كَالتُرَابِ وَالنَّبَاتِ، وَقَلَّلَ بَعْضَهَا ، كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَوَّى بَعْضَهَا، كَجِبْرِيلَ الَّذِي لَهُ سِتُّ مِئَةِ جَنَاحٍ، وَأَضْعَفَ بَعْضَهَا، كَالْإِنْسَانِ وَالذَّرِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آيَةً وَعِبْرَةٌ، فَسُبْحَانَ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ، قَالَ تَعَالَى: (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)


 وَتَدَبَّرُوا فِي كِتَابِ اللهِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: ﴿تُوْلِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُوْلِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ، فَيَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الْفُصُوْلِ، وَالنُّوْرِ وَالضَّيَاءِ، وَالظِّلِّ وَالْحُرُورِ، مِنْ أَكْبَرِ الْأَدِلَّةِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ، وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ)، كَالْفَرْخِ مِنَ الْبَيْضَةِ، وَكَالشَّجَرِ مِنَ النَّوَى، وَكَالْمُؤْمِنِ مِنَ الْكَافِرِ، (وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)، كَالْبَيْضَةِ مِنَ الطَّائِرِ وَكَالنَّوَى مِنَ الشَّجَرِ، وَكَالْكَافِرِ مِنَ الْمُؤْمِنِ، وَهُذَا أَعْظَمُ دَلِيْلٍ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.


 أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا؛ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 




الخطبة الثانية

 الْحَمْدُ للهِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِصِفَاتِ الجلالِ وَالْكَمَالِ، وَتَنزَّہَ عَنِ الْأَنْدَادِ وَالْأَمْثَالِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَالْآلِ، وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ فِي الْحَالِ وَالْمَقَالِ۔


أَمَّا بَعْدُ: فَأَيُّهَا الْمُسْلِمُوْنَ إِنَّ لِلْقُدْرَةِ الْإِلٰهِيَّةِ أَدِلَّةً كَثِيرَةً وَبَرَاهِينَ وَفِيْرَةً، كَاخْتِلَافِ اللُّغاتِ وَتَعَدُّدِ الْأَصْوَاتِ، وَتَبَايُنِ النَّعْمَاتِ وَتَفَاوُتِ الصِّفَاتِ، كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، إِنَّهَا آيَاتٌ، فَوَرَقَةُ التَّوْتِ تَأْكُلُهَا الدُّوْدَةُ فَتُخْرِجُ حَرِيرًا، وَالنَّحْلَةُ فَتُخْرِجُ عَسَلًا، وَالْغَزَالُ فَتُخْرِجُ مِسْكًا، وَالْبَيْضَةُ حِصْنٌ حَصِيْنٌ وَبِنَاءٌ رَصِيْنٌ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا حَيَوَانٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، إِنَّهَا آيَاتٌ وَدَلَائِلُ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ، فَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ، وَيُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَيُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرُ، وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ شَرْعٌ وَلَا حُكْمٌ، وَلَا تَحْلِيلٌ وَلَا تَحْرِيمٌ، فَذَلِكَ كُلُّهُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ۔


عِبَادَ اللَّهِ ! وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ الَّذِي خَلَقَ الرِّيَاحَ الشَّدِيْدَةَ، وَالصَّوَاعِقَ الْمُهْلِكَةَ، وَالزَّلَازِلَ الْمُدَمِّرَةَ، وَالْبَرَاكِينَ الْمُفْزِعَةَ، وَالْخُسُوْفَ الَّتِي تُلْقِمُ الْبُيُوتَ وَالْبَشَرَ، يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ، وَيَصْرِفُهَا عَمَّنْ يَشَاءُ، مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، وَمُحْسِنٍ وَظَالِمٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ، وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)


 هَذَا ! وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى خَيْرِ الْوَرَى وَأَفْضَلِ مَنْ وَطِئَ الثَّرَى، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْمَوْلَى جَلَّ وَعَلَا قَالَ تَعَالَى قَوْلًا كَرِيمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِي، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). فَاللَّهُمَّ صَلَّ وَسَلَّمْ، وَبَارِكْ وَأَنْعِمْ، عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي الْقَاسِمِ، مَا تَعَاقَبَ الْجَدِيدَانِ وَتَتَابَعَتِ الْمَوَاسِمُ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيَيْنَ، سَادَتِنَا الْكِرَامِ، أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِي، وَعَنْ سَائِرِ صَحَابَةِ نَبِيِّكَ أَجْمَعِينَ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.


 تَعَادَلُوا عِبَادَ اللَّهِ ! فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبٰی، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)۔


          اذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ.

 

(حوالہ : فوق المنبر روائع الایمان و البیان فی خطب الجمعۃ المبارکۃ)

  (تألیف : عمران بن الحسن الخانفوری)                 

 

 

Post a Comment

0 Comments
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.

Search your Topic